آخر المواضيع

الخزان الذي كشف هشاشة التواصل والإهمالُ وقودُ الانفجار


✍️في مشهد صادم يتراءى كأيقونة عن فشل جسيم في التواصل بين المواطن ومؤسسات الدولة، صعد بوعبيد—شاب أربعيني من جماعة أولاد يوسف إقليم بني ملال المغرب—إلى قمة خزان ماء شاهق، مطالبًا بكشف حقيقة وفاة والده الذي دفن دون تشريح. لم يطلب امتيازات ولا معونات، بل حقًا بسيطًا: “أريد تشريح جثة والدي”!

صرخةٌ في وجه الصمت الرسمي
لم تكن تلك “مسرحية احتجاجية”، بل صرخة مواطنٍ موجوع دفعه الإهمال إلى الانتحار البطيء، تحت أعين الجميع. صمت المسؤولين عن الرد على سؤال بسيط حول ظروف الدفن الغامضة فاحتقن صبره. وترى الألسن تُردد:
“أين تلك الشعارات ويعلنون ‘خدمة المواطن’ في خطابات المناسبات؟”

الإهمالُ وقودُ الانفجار
حين لم يجد بوعبيد من يستمع إليه، صار الخزان منصة وحيدة لتحقيق مطالبته. أماَّ ما جرى لاحقًا—اعتداؤه على عنصر الوقاية المدنية ومحاولةِ الأخير القفز دون خطة إنقاذ—فلا يبرر الفعل، لكنه يفسر درجة اليأس التي وصل إليها:
الصمتُ الحكوميُّ الطويلُ كان أكثر عنفًا من أي حركة احتجاج.
غيابُ خطةٍ إنقاذيةٍ أو مفاوضٍ نفسيٍّ دفَع رجل الوقاية للانزلاق في مغامرة نُفرَضت عليه.
التعامل الأمنيُّ المفرِط مع شكوى شخصية روحها العدالة زاد من توتر الأزمة.

سؤالُ المسؤولية: مَن يتحمّل النتائج؟
السلطاتُ المحلية ستُطلِق في النهاية بياناتٍ تُخبرنا أنها فتحت تحقيقًا، وأنها “تنتظر تقرير الطبيب الشرعي”.
الجهاتُ الأمنية ستُبرِّر تدخلها بـ”حماية الأمن العام”، متناسية أن مواطنًا لم يكن يشكّل خطرًا على أحد.
المؤسساتُ ستختبئ خلف التقارير والبلاغات، لتمضي الواقعة بأنفاس خافتة تُذكَّر في نشرة إخبارية قصيرة.

وبينما تُختصر قصته في خمسة أسطر، يظل السؤال المؤلم: هل سقط بوعبيد وحده، أم سقطت معه هيبة المسؤولين وثقتنا في وعودهم؟

دروسٌ لمستقبلٍ أفضل
هذه المأساة ليست استثناءً؛ بل نموذجٌ لما يواجهه مواطنونٌ كثرٌ يصارعون الصمت الرسمي. وفي دولٍ أخرى يُستمع إلى المستحق، وتُفعل القوانين شفّافةً، وتُجرى تحقيقاتٌ فورية تحفظ كرامة الإنسان وحياته. أما عندنا، فيُترك المواطنُ لوحده، ويُعاملُ ألمه كتهديدٍ أمني، لا كحقٍّ إنساني بديهي.

لعل الخزانَ الذي خسف صوته يكون منارةً تدعو إلى:
تأسيس آليات تواصل حقيقية واستباقية مع مطالب الأفراد.
بناء فرق إنقاذٍ نفسيٍّ ومدرَّبةٍ، لا مجرّد عناصرَ أمنٍ ومعداتٍ غير ملائمة.
إعادة صياغة “خدمة المواطن” من شعاراتٍ احتفاليةٍ إلى واقعٍ ملموس.
في النهاية، ما حدث لبوعبيد هو أكثر من حادث؛ إنه فضيحةٌ وطنيةٌ أخلاقيةٌ تكشف هشاشةَ تواصلٍ نرجو أن يُشفى عاجلًا، قبل أن تُسقط منصة الخزان مواطنين آخرين في صمت مماثل.

الفيديو يوثق طلباته بكل أدب واحترام وتعقل وكذا معاناته مع السلطة: