آخر المواضيع

من "الدكتور" الراقص في غرفة العمليات إلى "المؤثر" المتوَّج رغم التفاهة: تناقضات مغرب يحترق بين الشعبوية والرداءة


في زمن باتت فيه القيم تنقلب رأساً على عقب، وميزان الجدارة يُقاس بعدد المشاهدات، لا بجوهر الفعل أو عمق الأثر، تعيش الساحة الثقافية والطبية المغربية صدمة مزدوجة:
من جهة، دكتور يرقص في غرفة العمليات على أنغام "الشعبي" بينما يُفترض به إنقاذ حياة إنسان، ومن جهة أخرى، شخصية "مؤثرة" تُكرَّم من وزارة الثقافة رغم كل ما تحمله من سطحية واستخفاف بقيم التأثير الحقيقي.

ما الذي يحدث؟
وكيف وصلت الدولة إلى هذه المرحلة من التطبيع مع التفاهة؟

الفضيحة الأولى: حين رقص الطبيب وسقط القسم
الطب مهنة نبيلة، تقوم على المعرفة والانضباط الأخلاقي. لكنها في أحد مستشفيات المغرب، تحولت إلى عرض ترفيهي حين ظهر طبيب يرقص في غرفة العمليات، على نغمات "الشعبي"، وبين يديه مريض تحت التخدير. المقطع انتشر كالنار في الهشيم، وواجه موجة غضب من المواطنين الذين رأوا في المشهد “إعدامًا صامتًا لأخلاقيات المهنة”.
كيف يمكن لطبيب أقسم على إنقاذ الأرواح، أن يسخر من قدسية الموقف بهذا الشكل؟
وزارة الصحة فتحت تحقيقًا، لكن كثيرين تساءلوا:
هل هي حالة فردية؟ أم انعكاس عام لانهيار الانضباط في القطاعات الحساسة؟


الفضيحة الثانية: إلياس المالكي مؤثّر العام… من الهاوية إلى المنصة الرسمية
لم تمر أيام على هذه الفضيحة حتى صدمت وزارة الثقافة المغاربة مجددًا، حين أعلنت تتويج اليوتيوبر إلياس المالكي بجائزة “أحسن مؤثر”.
رجل عُرف بمحتوى يُوصف بـ"السوقي"، و"المثير للضحك لا للعقل"، أصبح اليوم "رمزًا مؤسسيًا"، ممثلًا للمشهد الثقافي في المغرب!
أي تأثير تقدّمه شخصية صعدت في الترند عبر المزاح المبتذل والصراخ اللاهث خلف لايكات عابرة؟


منصات التواصل لم تسكت، بل تحوّلت إلى ساحة غضب واسعة:
"إنها جائزة للفراغ، لا للثقافة"
"الوزارة تُكافئ من يتنمر ويسخر، بدل أن تكرّم من يكتب ويُعلِّم"
من الشعبوية إلى التتويج الوزاري: انقلابٌ على المعنى
الطبيب الذي يرقص في غرفة عمليات لم يجد من يردعه إلا بعد فضيحة علنية.
و"المؤثر" الذي يسخر من الثقافة ويختزلها في اللايفات البذيئة، يُمنح أعلى جائزة رسمية.
المشكلة ليست في الأشخاص فقط… بل في المؤسسة.
 في من يُشرعن الانحدار.
في عالم طبيعي، يتلقى الطبيب المتهور عقوبة مهنية حقيقية، والمؤثر التافه لا يلقى سوى التجاهل.
لكن في مغرب اليوم، أصبح اللا مسؤول نجمًا، والمُستهتر نموذجًا، والمبتذل متوَّجًا.

هل نحن أمام "تتويج الرداءة"؟
ما يجمع بين الحالتين هو فقدان البوصلة.
فلا الوزارة تعرف ما معنى "مؤثر".
ولا الطبيب يدرك ما تعنيه حياة مريض.
ولا المؤسسات تعرف كيف تميّز بين الشهرة والقيمة.
هكذا، تذوب الحدود بين الجاد والتافه، بين القمّة والقاع، بين العالم والراقص، والمثقف و"الترند".

 من سيعيد المعنى؟
بين الطبيب الذي اختزل حياته المهنية في لحظة رقص، والمؤثر الذي توّجته الدولة على حساب منارات حقيقية للثقافة، يقف المواطن المغربي مذهولًا أمام مفارقة عجيبة:

لماذا باتت الرداءة تُكافأ؟
ومن المسؤول عن تسميم الذوق العام؟
ربما لا نحتاج ثورة في النظم، بقدر ما نحتاج ثورة في المعايير.
ثورة ترفض أن يصبح العبث مشروعًا مؤسساتيًا، وأن تتحوّل الجوائز إلى مكافآت على “الفراغ”.
"أمة تُكرّم التافهين وتُهمّش المفكرين… تُعِدّ قبرها بأيديها."
___________________________________ مجالكــــم__________