منذ عقود، يعيش الجزائريون في دوامة من الوعود الفارغة والآمال المعلّقة على تغيير سياسي واقتصادي لا يتحقّق. وإذا كان لزامًا علينا البحث عن المسؤول الأول عمّا آلت إليه الأوضاع، فإنّ “الكابرنات” (السلطة الفعلية المهيمنة وراء الكواليس) والنظام القائم يتحمّلان العبء الأكبر من المعاناة الشعبية.
إليكم أبرز الأسباب:
١. اقتصاد الريع وهشاشة المداخيل
اعتماد شبه كامل على صادرات المحروقات (النفط والغاز):
يقتات الاقتصاد الوطني من إيرادات متقلبة تخضع لتقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، ما يعني عجز الدولة عن بناء اقتصاد منتج ومستدام، وغياب التصنيع والتنوّع.
غياب رؤية تنموية:
ما يُسمّى “الصندوق السيادي” لم يُوظَّف بكفاءة في مشاريع حقيقية لبناء بنية تحتية متينة أو تدريب الشباب على مهارات المستقبل.
٢. ممارسات الفساد والمحسوبية
شبكات المحسوبية (الـكابرنات):
توزيع المناصب والمشاريع الكبرى يتمّ بناءً على الولاءات السياسية والعائلية، لا على الكفاءة والخبرة.
ثراء سريع وخفيّ لبعض رجال السلطة ورجال الأعمال المقربين، مقابل تردّي مستوى الخدمات العامة (الصحة، التعليم، السكن).
٣. غياب الشفافية والمؤسسات القوية
دولة خارج القانون:
لا مؤسسات قضائية مستقلة قادرة على مساءلة المسؤولين، ولا برلمان فعّال يفرض الرقابة والمحاسبة.
حظر المساءلة:
أي صحافي أو ناشط يجرؤ على كشف فساد يتعرّض للتهديد أو السجن.
٤. اختناق الحريات وانسداد الآفاق
القمع السياسي:
إغلاق ساحات التعبير الإعلامي، واعتقال المعارضين، وفرض الرقابة على الإنترنت.
طغيان العقل الأمني:
تعتبر السلطة أي احتجاج أو انتقاد “أمنًا قوميًّا”، فتتعامل معه بالعصا الحديدية بدل الإصغاء والتصحيح.
٥. البطالة وهجرة العقول
شباب متعطّل بلا أفق:
نسبة البطالة بين الشباب تجاوزت الـ 30% في كثير من التخصصات.
هجرة كفاءات وطموحات:
آلاف الجامعيين المتخرّجين يهاجرون سنويًا هربًا من انعدام الفرص وغياب التكافؤ.
٦. غياب سياسة اجتماعية فعّالة
دعم غير مستدام:
الإعانات الحكومية – مثل البطاقة الغذائية المدعمة – تزيد الاعتماد على الدولة بدل تحفيز الإنتاج.
زحف الفقر على الطبقات المتوسطة:
انكشاف ذوي الدخل المحدود لأزمات التضخم وغلاء المواد الأساسية.
نحو مُساءلة حقيقية وإعادة بناء الثقة
معاناة الشعب الجزائري ليست قضاءً وقدرًا، بل نتاج لصراعات مصالح طبقية ومؤسسية بين “الكابرنات” والنظام الفاشل.
الحل لا يأتي بالمزايدات أو الإصلاحات الجزئية، بل بـ:
- تحرير الاقتصاد من الريع وإطلاق مشاريع صناعية وخدمية حقيقية.
- مكافحة الفساد بشجاعة عبر مؤسسات قضائية ورقابية مستقلة.
- ضمان الحريات الإعلامية والسياسية كمفتاح للتصحيح.
- تفعيل دور الشباب في صنع القرار وتوفير بيئة حاضنة لأفكارهم.
إذا واصلنا التعامل مع الأزمة كحادثة عابرة، فإننا سنبقى أسيرة منظومة مقلوبة: يرزح الشعب تحت وطأة “نظامٍ فاشل”، بينما تستمرّ آلة الريع والظلم في تغذية معاناته.


